"المختبر الفلسطيني"- غزة واجهة لأسلحة إسرائيل وتكنولوجيا الاحتلال.

المؤلف: عبير الفقيه11.10.2025
"المختبر الفلسطيني"- غزة واجهة لأسلحة إسرائيل وتكنولوجيا الاحتلال.

أثار كتاب "المختبر الفلسطيني" للصحفي الأسترالي الألماني أنتوني لوينشتاين، ضجة مدوية، خاصة مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى". وقد أشادت وسائل الإعلام الإسبانية المتخصصة في تغطية الأحداث في غزة بصدور الترجمة الإسبانية للكتاب في شهر فبراير الماضي، وقامت صحيفة "الكونفيدنثيال" بنشر حوار مطول مع الكاتب الأسبوع الفائت، تميز بالصراحة والشجاعة، ونجح في انتزاع اعترافات هامة من لوينشتاين، من أبرزها أن إسرائيل تستخدم غزة كـ "واجهة عرض" لترويج فعالية منتجاتها العسكرية والاستخباراتية، ويختمها بعبارة "جُرّب في غزة" لضمان استقطاب أكبر عدد ممكن من العملاء!!

يكمن جوهر كتاب "المختبر الفلسطيني: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم؟" في محتواه الثري بلا شك، ولكن مكانة مؤلفه تضفي عليه قيمة مضاعفة. فأنتوني لوينشتاين هو كاتب مقالات في صحف مرموقة مثل نيويورك تايمز والغارديان، وكتابه هذا يعتبر باكورة أعماله، وقد صدر في منتصف العام الماضي، إلا أنه حقق انتشارًا أوسع مع أحداث أكتوبر الماضي، بين من دحضوا وجهة نظر الكاتب التي عرضها في الكتاب، ومن أيدوها بقوة.

نشأة نموذجية

على الصعيد الشخصي، يصف لوينشتاين نفسه بأنه كاتب ألماني أسترالي، ترعرع في كنف أسرة يهودية أسترالية تقليدية، شديدة الارتباط بتاريخها. وتتمحور ثقافة العائلة السائدة حول فكرة أن إسرائيل هي ملاذ آمن لليهود، والدولة الوحيدة القادرة على ضمان تجنب الرعب الذي عانته عائلته وبقية اليهود في ألمانيا، وبالتالي، كان دعم إسرائيل بمثابة الشعار المقدس للعائلة.

إلا أن الكاتب يوضح أنه مع تقدمه في العمر، ومن خلال تجربته المعاشة في شبابه بالقدس، بدأ يلاحظ عنصرية إسرائيلية متفشية معادية للفلسطينيين، ليس فقط في إسرائيل وأستراليا، بل في كافة المجتمعات اليهودية في الغرب، وهو ما جعله يدرك حجم "المفارقة" بين ما هو شائع وما هو واقعي، على حد تعبيره.

وتقوم فكرة الكتاب على أن اختيار إسرائيل للفلسطينيين وأرضهم كحقل تجارب ومنصة لاستعراض كفاءة أسلحتها وتقنياتها الحربية، لم يحدث بشكل عفوي أو مفاجئ، بل إن هذه الفكرة متأصلة في كيفية تحويل إسرائيل للدولة اليهودية من كيان مهدد بالزوال في الماضي، إلى نموذج اجتماعي واقتصادي يستحق التصدير، وذلك من خلال اختزال الصراع على الأرض في عرض تسويقي مستمر وضخم لمنتجات التكنولوجيا العسكرية وفنون السيطرة على السكان.

وهو ما لخصه الكاتب في العنوان بعبارة "تصدير تكنولوجيا الاحتلال"، باعتبارها عنوانًا لنجاح العلامة التجارية لأسلحة الجيش الإسرائيلي واستراتيجياته.

إخضاع وإذلال

يشير الكاتب إلى أنه بعيدًا عن الأسلحة، تعتمد إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين على مجموعة من الأدوات الاستخباراتية التي لا تقل أهمية عن الأسلحة، وهي التحكم في تحركات جميع الفلسطينيين وتسجيل تفاصيل هوياتهم ومنع أي تنقل غير مبرر.

وعلى الرغم من التذرع بالأسباب الأمنية لتبرير عمليات المراقبة اليومية، فإن الهدف الحقيقي في معظم الأحيان هو إذلالهم والسيطرة عليهم وتذكيرهم بواقع الاحتلال، على حد قوله. ويضيف أن إسرائيل تجمع كافة أنواع المعلومات والبيانات عن الفلسطينيين لتقوم بعد ذلك بابتزازهم وتجنيدهم كجواسيس، مستغلة حاجة بعضهم إلى العلاج الطبي أو زيارة أحد أفراد العائلة.

إن ما أثار الجدل حول الكتاب بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى" هو انقسام القراء والنقاد إلى فريقين: الأول رأى أن الكاتب قد تم تضليله بـ "وهم" الجيش الذي لا يقهر، بالنظر إلى حقيقة انتصار حماس "محدودة الإمكانات" على هذا الجيش وما يمتلكه من ترسانات أسلحة وقدرات استخباراتية هائلة. أما الفريق الثاني، فيعتبر أن الكاتب كان مصيبًا في كل ما ذكره، وأن إسرائيل وجدت في قطاع غزة الساحة المثالية لاختبار فعالية منتجاتها من الأسلحة على أرض الواقع، في عروض حية ومباشرة، وأن التضاعف غير المسبوق في مبيعات أسلحتها هو خير دليل على ذلك.

سياسات جائرة

في هذا السياق، يروي الكاتب أنه صُدم ذات مرة خلال حضوره معرضًا للأسلحة في باريس، عندما اكتشف أن إسرائيل كانت تعرض مقاطع فيديو لبعض منتجاتها، تتضمن استخدامًا فعليًا على البشر، وكان من الواضح من السياق المكاني والثقافي أنهم فلسطينيون، إلا أن إدارة المعرض لم تتدخل لإيقاف ذلك. ويشبه الكاتب، بحسرة بالغة، تلك الحادثة بما يحدث الآن، على مرأى ومسمع من الحكومات والمنظمات الدولية، التي لم تفلح في وقف عمليات التدمير والقتل الجماعي! ويقول إن شركات السلاح الإسرائيلية "معجبة" بلا شك بتلك "العروض" الدموية.

ورداً على سؤال المحاور حول التناقض بين هوية الكاتب كيهودي واعترافه بهذه الأفكار، أجاب لوينشتاين بأن العديد من اليهود قد استغلوا معاناة الهولوكوست لتحويلها إلى سلاح في خدمة الاحتلال، للاستمرار في سياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، لكنه "كيهودي" ومعه آخرون يسعون لتغيير هذا الواقع.

لذلك، كرس كتاباته منذ أكثر من 20 عامًا للتنديد بالسياسات الإسرائيلية الجائرة. ويضيف أنه عاش سنوات عديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة وتأكد من أن وجهة نظر المجتمعات اليهودية في مختلف أنحاء العالم للقضية الفلسطينية تمثل باختصار "قمة الانهيار الأخلاقي، حيث يتقنون الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه". ويضيف أن انتقاده للجرائم التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين يصنفه في خانة المقربين من الإرهابيين، وفقًا لتصنيفات رابطة مكافحة التشهير في الولايات المتحدة، وهي إحدى المنظمات التي تراقب كل الانتقادات الموجهة لإسرائيل وتتفنن في وصمها بالأصوات المعادية للسامية. ويؤكد أن لا دينه ولا أصوله تحصنه من هذه الاتهامات الباطلة.

ديمقراطية مشوهة

لهذا السبب، لا يؤمن لوينشتاين بالشعارات الزائفة من قبيل "إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، حيث يعتبرها ديمقراطية حصرية لليهود فقط، فبالنسبة له، إذا كنت فلسطينيًا في غزة أو الضفة الغربية، فأنت تعيش في ظل نظام دكتاتوري. وإذا كنت فلسطينيًا في إسرائيل، فعلى الرغم من حقك في التصويت، فأنت مواطن من الدرجة الثانية. وهذا نموذج ديمقراطي مشوه، وللأسف تم تقليده من قبل دول مثل الهند والمجر وعدد من الدول التي يحكمها اليمين المتطرف العالمي.

وعن ملاحظة المحاور بأن تجارة الأسلحة في العالم هي في النهاية نشاط قانوني ما دام قانونيًا، يرد الكاتب بأن المشكلة المطروحة مع إسرائيل، على عكس باقي رواد صناعة الأسلحة، هي أنها عاشر أكبر مورد للأسلحة في العالم، وتسعى لتقديم نفسها كمنارة أخلاقية للعالم، في حين أن سياستها الخارجية تقوم في الواقع على تعليم الآخرين كيفية تهميش "أقلياتهم"، والترويج للآليات الكفيلة بالقيام بذلك.

يعتبر كتاب أنتوني لوينشتاين، بأفكاره الجريئة كيهودي يدين جرائم إسرائيل، شهادة ذات قيمة مضافة في قائمة الأصوات والأقلام المنبثقة من الداخل الإسرائيلي والمجتمع اليهودي، والتي ستبقى شوكة في حلق الحكومات الإسرائيلية العنصرية المتعاقبة، وتسلط الضوء على ممارساتها القمعية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة